إن قصة سيدنا يونس عليه السلام تحتوي على الكثير من الدروس والأخلاق التي تلهمنا جميعاً الصبر والتوبة والثقة برحمة الله، فسيدنا يونس عليه السلام هو أحد أنبياء الله الذين أرسلهم الله قابلة للبشرية ودعاهم إلى التوحيد، ولكن قومه قابلوه بالرفض والعناد، وفي لحظة ضعف ويأس ترك يونس قومه قبل أن يأذن الله له بذلك، ولكن الله اختبره بشكل عجيب ليعيده إلى الطريق الصحيح.
قصة سيدنا يونس عليه السلام في بطن الحوت تمثل درساً عظيماً في أهمية الاستغفار والتوكل على الله في أوقات الشدة، فبعد أن نادى ربه: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، استجاب الله لدعائه ونجاه من الكرب، وهذه القصة تهدف إلى تذكيرنا دائماً بأن الفرج يأتي بعد الشدة، وأن التوبة الصادقة تغير النتيجة وتفتح أبواب الرحمة.
أقرأ أيضا: أبناء سيدنا إبراهيم عليه السلام وذريته من الأنبياء
قصة سيدنا يونس عليه السلام
لقد بدأت دعوة سيدنا يونس عليه السلام لقومه بترك عبادة الأصنام وعبادة الإله الواحد الأحد، فلما دعا قومه إلى التوحيد نصحهم وبلغهم رسالة ربه على أحسن وجه، ولكنهم قابلوا هذه الدعوة بالرفض والرفض، وأصروا على عبادة الأصنام، فلما أخبرهم سيدنا يونس أن قلوبهم لن تلين وأنهم مصرون على الكفر حذرهم من عذاب الله وغضبه وأن الله سينزل عليهم عقاباً بعد ثلاثة أيام إن ظلوا على كفرهم ولم يستغفروا ويتوبوا، فترك القرية غاضباً واتجه إلى البحر، والله يخبرنا بذلك في القرآن، ويبدو أنه خرج دون أن يأمره الله بالخروج، فقد وصفه الله بالفار، أي في اللغة العبد الهارب.
إقرأ أيضا:أبناء سيدنا إبراهيم عليه السلام وذريته من الأنبياءقال تعالى: (إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ)، وكان على سيدنا يونس عليه السلام أن يبقى في قريته ويستمر في الدعوة أو يسلم أمره إليه، إذ لا بد من تنفيذ أمر الله على الأنبياء بالهجرة أو الصبر أو الدعاء، وقال الله تعالى: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ). [1]
وبعد خروج سيدنا يونس عليه السلام أحس أهل نينوى بعلامات العذاب، وأحسوا أن الله تعالى سيرسل غضبه عليه، فندموا وتابوا واستغفروا لتكذيبهم لرسول الله يونس، وخرجوا يتضرعون إلى الله ويتضرعون إليه ويتضرعون أن يستجيب لهم ويكف عنهم العذاب ويرد إليهم سيدنا يونس، فغفر الله لهم ورفع العذاب عنهم،
كما قال الله تعالى في كتابه الحكيم:(فَلَولا كانَت قَريَةٌ آمَنَت فَنَفَعَها إيمانُها إِلّا قَومَ سيدنا يونس عليه السلام لَمّا آمَنوا كَشَفنا عَنهُم عَذابَ الخِزيِ فِي الحَياةِ الدُّنيا وَمَتَّعناهُم إِلى حينٍ).
في نفس الوقت كان سيدنا يونس عليه السلام بسبب غضبه على قومه يبحث عن مخرج منه فركب سفينة في البحر وبعد فترة قصيرة هاجت الأمواج وبدأ من في السفينة يخافون وكان من عادة البحارة عندما هاجت الأمواج أن يلقوا قرعة ليخرج أحدهم فيلقى في الماء فكانوا يلقون قرعة وفي كل مرة يخرج اسم سيدنا يونس عليه السلام لكنهم يعرفون يونس
ومن هو أبوه وأنه رجل صالح فألقوا قرعة ثلاث مرات ولكن في النهاية لم يجدوا حلا سوى إلقائه في البحر لتنجو السفينة ومن فيها وفي نفس الوقت أرسل الله حوتاً ابتلع سيدنا يونس ولكنه لم يبتلعه حتى لا يهلك بل ظل في ظلمة البحر فظن سيدنا يونس في البداية أن أمه ماتت ولكنه وجد نفسه في مكان طري مظلم وعرف أنه في بطن الحوت
إقرأ أيضا:موضوع إنشاء عن النبي محمد عليه الصلاة والسلامولما تيقن سيدنا يونس عليه السلام أن الله قد فعل به ذلك عقاباً له على خروجه من القرية غضباناً بغير إذن، ظل يسبح الله ويسبحه حتى سمع الله تسبيحه من أعماق البحر فغفر له وحمده، كما دعى سيدنا يونس عليه السلام كثيراً فأزال تسبيحه ظلمة البحر وفرج كربته.
قال الله تعالى عنه في كتابه الكريم: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَـهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ)، وأمر الله تعالى الحوت أن يلقي سيدنا يونس عليه السلام فلا يأكله، فخرج سيدنا يونس عليه السلام إلى الشاطئ فأنقذه الله بعد أن علم بالخطأ.
ويذكر العلماء أن الله تعالى أنبت شجرة اليقطين المعروفة بأوراقها العريضة لتكون ظلاً لسيدنا يونس عليه السلام، ولما كان لليقطين فوائد عظيمة أكل منها سيدنا يونس عليه السلام حتى يقوى جسمه بعد فترة طويلة في بطن الحوت. وبعد أن تعافى سيدنا يونس عليه السلام أمره الله بالعودة إلى قريته، فوجد أهل قريته كلهم قد رجعوا عن ضلالهم وآمنوا بالله تعالى، وكانوا على يقين من نجاته. في انتظار عودته، ففرح سيدنا يونان وبقي معهم ليعلمهم رسالة الله ويوصل لهم الوحي.
[2]أقرأ أيضا: قصة سيدنا يوسف للأطفال قصص الأنبياء للاطفال
إقرأ أيضا:موضوع إنشاء عن النبي محمد عليه الصلاة والسلامكم لبث سيدنا يونس عليه السلام في بطن الحوت؟
القرآن الكريم لم يحدد مدة لبث سيدنا يونس عليه السلام في بطن الحوت، إلا أن تفسير ابن كثير للحديث عن سعيد بن أبي الحسن البصري جاء فيه أنه لبث في بطن الحوت أربعين يوماً، وتفسير البغوي للحديث جاء فيه أنه لبث فيه أربعين يوماً وليلة، وتفسير عطاء للحديث جاء فيه أنه لبث فيه سبعة أيام، وقيل أيضاً أنه لبث فيه ثلاثة أيام.
ولعل سبب عدم تحديد مدة لبث سيدنا يونس عليه السلام في بطن الحوت أن هذا ليس مهماً في سياق القصة، وإنما ما حدث له خلال هذه المدة أنه دعا الله واستغفره، فاستجاب الله له ونجاه من بطن الحوت. [3]
الدروس المستفادة من قصة سيدنا يونس عليه السلام
يجب علينا أن نطيع الله ونفعل ما يأمرنا به مهما شعرنا باليأس والتعب، لأن الفرج سيأتي من عنده يومًا.
الله يحمي عباده مهما حدث لهم، لذلك بقي سيدنا يونس عليه السلام في بطن الحوت دون أن يموت، وأعاده الله إلى الحياة.
عندما نشعر بالضيق أو الخوف, كل ما علينا فعله هو الدعاء إلى الله وطلب المساعدة منه، مع الثقة باستجابته.
“ومن الدروس المستفادة من هذه القصة الندم على الذنب والرجوع إلى الله، وهذا الأمر يورث المرارة والندم في القلب على ما ارتكبه الإنسان من الذنوب، ولكن ثواب التوبة عظيم عند الله، ومن أمثلة الثواب ما يلي:
[4]إن التوبة الصادقة لا تمحو الذنوب وتطهر النفس من رجسها وتقرب العبد من ربه فحسب، بل إنها تصلح نفسه وينال شرفاً وفضلاً عظيمين من عنده تعالى، حتى يبدل سيئاته حسنات، كما قال تعالى: ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا﴾ [النور: 10].
“إن التوبة تحيي الأمل، فاليأس من رحمة الله كالكفر، لأنها تهدم الأمل، كما قال الله تعالى: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}27 وقال الإمام علي عليه السلام: {“أعظَمُ البَلاءُ انقِطاعُ الرَّجاءِ”} ونقل الشعبي عنه قوله: {عجبت لمن ييأس وعنده النجاة وهي الاستغفار}
إن التوبة تزيد من عزم الإنسان وتقوي إرادته في ذات الله تعالى، وفي نفس الوقت تقطع جذور الشيطان وتكبح جماح النفس الآمرة. “إن الندم يحرر العبد من قيود الشيطان وجنوده، فيحميه من الانحراف عن الصراط المستقيم، ويضمن له طاعة الخالق العظيم، فينال السعادة المنشودة، التي أكد عليها الله تعالى في كتابه المجيد حين قال: {و يا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم رشدا ولا تتولوا وأنتم مجرمين}، وقال الإمام علي عليه السلام: {الندم على الذنب يمنع من العودة إليه}.
أقرأ أيضا: قصة سيدنا يونس عليه السلام للاطفال قبل النوم
إن التوبة رزق سماوي في الدنيا والآخرة، فالله تعالى يهب العبد التائب منابع فضله وبركاته التي لا تنفد، كما قال نبيه هود عليه السلام: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا)31، ونقرأ في نفس السورة: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ)32،
فقبول التوبة رحمة من الله تعالى تشمل كل من تاب بصدق وإخلاص، وبدونها ييأس الإنسان من رحمة الله، ويستمر في معصيته، ويستمر في ضلاله وطغيانه حتى يأتي منتهاه المحتوم، ويحرم من رحمة الله. وفي ذلك اليأس والقنوط من رحمة الله، وعدم رضا الله عنهم،
ومن هنا جاءت الآية الجامعة، وهي قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]، وكذلك آيات التوبة والاستغفار التي تهب منها نسائم رحمة الله، فتفتح بعباده المذنبين باب الرجاء في قبول التوبة، وغفران الذنوب، بل واستبدال الذنوب بالحسنات لمن تاب توبة صادقة: { إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70]. [5]